سيرة القائد الإسلامي التميمي الجزء الثاني
القائد الفارس الشاعر / القعقاع بن عمرو بن مالك التميمي
جده : تميم بن مـر بن إد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معـد بن عدنان من ذرية نبي الله إسماعيل بن إبراهيم الخليل .
❖ يوم القادسية :
استمر القتال في ليلة الهرير حتى بزغ نور شمس اليوم الرابع وهو يوم القادسية والناس على مواقعهم لم تغمض لهم عين وقد نال منهم التعب والجهد بعد ليلة قتال شديدة وكان (القعقاع) من أكثر الناس إدراكا لما أصاب المسلمين في تلك الليلة من تعب وجهد ولكنه رأى بعين القائد الخبير أنه لابد لهذه الحرب أن تنتهي ولابد من مواصلة الحرب والقتال حتى ينزل الله نصره على عباده المؤمنين فسار (القعقاع) بين المسلمين يشد من أزرهم ويحثهم على الثبات ومواصلة القتال قائلا : أن الدبرة بعد ساعة لمن بدا القوم بتخاذل فاصبروا ساعة واحملوا فإن النصر مع الصبر فأثروا الصبر على الجزع ويدل هذا أن (القعقاع ) مسموع الكلمة مهاب الجانب سواء في قومه تميم أو غيرهم ولهذا كانت كلماته مسموعة ونافذة ويدل هذا على مكانته الكبيرة بين المسلمين فما أن حثهم (القعقاع) على مواصلة القتال اجتمع عدة من الرؤساء وقصدوا رستم واستطاع القعقاع ومن معه أحداث فجوة في صفوف الجيش الفارسي فحمل بعض المسلمين على من يليهم من الفرس حملة واحدة واقتتلوا حتى انتصفت الشمس في كبد السماء وكان أول من تراجع تحت ضغط المسلمين هو الهرمزان والجناح الذي يقوده وانفرج القلب وهبت ريح عاصفة اقتلعت خيمة رستم وألقت بها في النهر وتقدم (القعقاع) ومن معه حتى وصلوا سرير رستم وكان رستم قد هرب واختبا تحت بغل من بغاله ورأى هلال بن علفة التميمي هذا البغل فضربه بسيفه فقطع حباله فوقع الحمل على رستم فحمل عليه هلال وقتله ثم نادى المسلمين قتلت رستم ورب الكعبة وعندما انتشر خبر مقتل رستم عند الجيش الفارسي وهنت عزيمتهم وضعفت قوتهم القتالية ورأى (الجالينوس) فعرف خطر المواصلة في المعركة وأمر الفرس بالانسحاب فعبر الردم من استطاع من الفرس أما المربطين بالسلاسل أصابهم الخوف والهلع فرموا أنفسهم في نهر العتيق ووخزهم المسلمون برماحهم فغرقوا جميعا ولم ينجُ منهم أحد . وقد وجه سعد بن أبي وقاص اثنين لملاحقة من هرب من الفرس وهما (القعقاع) و(شراحبيل بن السمط) وقد أنجز القائدان ما أوكل إليهما .
وقد أثنى سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين في معركة القادسية على (القعقاع) وقومه بنو تميم وثمن دورهم وبلائهم العظيم قائلا:
هذه الأبيات :
وَمَا أَرْجُو بجيلة غَيْرَ أَنِّي
أُؤَمَّلُ أَجْرَهَا يَوْمَ الْحِسَابِ
وَقَدْ لَقِيَتْ خُيُولُهُمْ خُيُولا
وَقَدْ وَقَعَ الْفَوَارِسُ فِي الضِّرَابِ
فَلَوْلا جَمْعُ قَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو
وَحَمَّالٍ لَلَجُّوا فِي الْكِذَابِ
هُمُ مَنَعُوا جُمُوعَكُمُ بِطَعْنٍ
وَضَرْبٍ مِثْلَ تَشْقِيقِ الإِهَابِ
وَلَوْلا ذَاكَ أَلْفَيْتُمْ رِعَاعًا
تُشَلُّ جُمُوعُكُمْ مِثْلَ الذُّبَابِ
وقد أثنى كثير من الشعراء على (بنو تميم) ودورهم في القادسية وأنهم تركوا أثرا عظيما لن يمحى أبدا ومن هذا أن أهل اليمامة سمعوا مجتازا ينشد وقال :
هذه الأبيات :
وجدنا الأكثرين بني تميم
غداة الروع أصبرهم رجالا
هم ساروا بأرعن مكفهر
إلى لجب فزرتهم رعالا
بحور للأكاسر من رجال
كأسد الغاب تحسبهم جبالا
تركن لهم بقادس عز فخر
وبالخيفين أياما طوالا
مقطعة أكفهم وسوق
بمردى حيث قابلت الرجالا
❖ فتح مدينة بهرسير والمدائن سنة 16 هـ :
فتح بهرسير :
بعد انتصار المسلمين في القادسية أقام (سعد) والمسلمين شهرين فيها وذلك لإراحة الجيش والتشاور مع الخليفة (عمر بن الخطاب) فكتب إليه عمر أن يسير إلى المدائن وهي عاصمة الفرس فتقدم المسلمون وقاتلوا الفرس المهزومين من القادسية في (بابل وكوثى وساباط) حتى وصلوا إلى (بهرسير) وهي المدائن الغربية والفرس متحصنين بها فحاصرهم المسلمين شهرين فتركها الفرس وهربوا إلى المدائن الشرقية وكان يفصل بينهما نهر دجلة فدخلوها المسلمين ولم يجدوا فيها أحد وقد وصف (القعقاع) دخول المسلمين إليها وهروب الفرس عنها وقال :
هذه الأبيات :
فتحنا بهرسير بقول حق
أتانا ليس من سجع القوافى
وقد طارت قلوب القوم منا
وملوا الضرب بالبيض الخفاف
❖ فتح المدائن :
بعد أن دخل المسلمين (بهرسير) أرسل سعد بعض المسلمين لطلب السفن ليعبر عليها الجيش إلى المدائن فلم يجدوا شيء منها لأن الفرس قد استخدموها كلها فجاء بعض الفرس الذين كانوا قد أسلموا ودلوا سعد على (مخاضة) (موضع قليل الماء) في النهر يستطيع المسلمين العبور إلى المدائن منها فجمع (سعد) المسلمين وأبلغهم بذلك وقال من يحمي لنا الفراض (الشاطئ) حتى يكتمل عبور جميع المسلمين فتطوع ذؤي البأس الشديد (القعقاع) وأخوه (عاصم) ومعهم ستة مئة من فرسان المسلمين من ذؤي النجدة والشجاعة فولى عليهم (سعد) (عاصم بن عمرو التميمي) فسار (عاصم) بمن معه من المسلمين حتى وقف على شاطئ نهر دجلة وأقتحمه هو ومن معه فاقبل عليهم الفرس يذودونهم فقال (عاصم) للمسلمين : الرماح الرماح وتوخوا العيون فقصد المسلمين عيون الفرس الذين لم يصمدوا وولوا هاربين فلحق بهم المسلمون وتقتلوا أكثرهم وهرب من هرب منهم.
وقد رأى (سعد بن أبي وقاص) عبور (عاصم) وأصحابه وإيجادهم لمكان أمن في الضفة المقابلة فاذن للناس بالعبور فعبر المسلمين بكل يسر وسهولة إلا رجل من قبيلة بارق يدعى (غرقدة البارقي) زل عن ظهر فرسه وسقط في النهر فمضى إليه (القعقاع) بفرسه وأخذ بيده وجره حتى عبر ونجى فقال غرقدةالبارقي : عجزت الناس أن تلد مثلك ياقعقاع …
أيقن (يزدجرد) الفارسي عزم المسلمين على المواصلة فأخذ كل مايقدر عليه من الأموال والذراري والنساء وهرب إلى حلوان وفي اللحظة نفسها كانت جيوش المسلمين تتقدم نحو (المدائن) فكان أول من دخلها (يعقوب الهذلي) ومعه الكتيبة الخرساء كتيبة (القعقاع) التي تجولت في المدينة فلم تجد مقاومة من أحد فدخل المسلمين إيوان كسرى وهم يكبرون وصلى بهم سعد صلاة الفتح وذلك في صفر سنة 16 هـ ...
وخرج (القعقاع) للحاق بمن هرب من الفرس فوجد فارسي معه وعائين فقتله ووجد في الوعاء الأول خمسة سيوف والثاني وجد فيه ستة سيوف ودروع أما الدروع فهي درع (كسرى) ودرع (هرقل) ودرع (خاقان) ملك الترك ودرع (داهر) ملك الهند ودرع (بهرام) ودرع (النعمان) ملك الحيرة وأما السيوف فسيف (كسرى) و (هرمز) و (فيروز) و (خاقان) و (بهرام) و (النعمان) فذهب بها (القعقاع ) إلى (سعد) فسر بهذا وقال (للقعقاع) : أختر أيها شئت فاختار (القعقاع) سيف (هرقل) وأعطاه (سعد) درع (بهرام) والبقية وزعها (سعد) على كتيبة الخرساء مكافئة لهم إلا سيف (كسرى والنعمان) فقد بعث بهما إلى عمر بن الخطاب في المدينة .
❖ معركة جلولاء سنة 16 هـ :
بعد أن هزم الفرس بالمدائن هربوا إلى جلولاء وإجتمعوا هناك وجعلوا عليهم (مهران رازي) وقد بلغ خبر تجمع الفرس إلى (سعد بن أبي وقاص) فكتب إلى (عمر بن الخطاب) يستشيره فكتب إليه (عمر) : أن سرح (هاشم بن عتبة) إلى جلولاء في أثني عشر ألف وأجعل على مقدمته (القعقاع) وعلى الميمنة (سعر بن مالك) وعلى الميسرة (عمرو بن مالك بن عتبة) وإجعل على ساقته (عمرو بن مرة الجهني) وإن هزم الله الفرس فاجعل (القعقاع) بين السواد والجبل .
فخرج هاشم بالمسلمين في صفر سنة 16هـ وقصد جلولاء وحاصر الفرس ثمانين يوما وكان (يزدجرد) يرسل الإمدادات للفرس وكذلك (سعد بن أبي وقاص) يرسل الفرسان (لهاشم) وعندها أيقن الفرس أن مناعة مدينتهم لن تصرف المسلمين عنها وأن المسلمين سوف يحاصرونها حتى ترضخ عندها خرج الفرس إلى القتال وأشتبكوا مع المسلمين واقتتلوا قتالا شديدا.
وقد قام (القعقاع) خطيبا في المسلمين يطلب منهم الصبر ويشد من أزرهم وهو يقول : إنا حاملون عليهم ومجاهدوهم وغير كافين ولا مقلعين حتى يحكم الله بيننا وبينهم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى تخالطوهم، ولا يكذبن أحد منكم فحمل المسلمين على الفرس حملة قوية صادقة لم يستطع الفرس الصمود أمامها وواصل المسلمين التقدم وهزم الفرس يمنة ويسرة ووقعت خيلهم فاتبعهم المسلمين ووضعوا السيوف على رقابهم ولم يفلت منهم إلا القليل وقتل منهم في وقعة جلولاء مائة ألف نفس وخرج (القعقاع) في طلب المنهزمين من الفرس فأدرك بعض سبيهم والذي يعرف بسبي جلولاء وتمكن (القعقاع) خلال مطاردته لفلول الفرس المنهزمة أن يقتل قائدهم (مهران رازي) وقد صور (القعقاع)هذا الانتصار الإسلامي العظيم بقوله :
هذه الأبيات :
ونحن قتلنا في جلولا أثابرا
ومهران، إذ عزّت عليه المذاهب
ويوم جلولاء الوقيعة أفنيت
بنو فارس، لمّا حوتها الكتائب
فتح حلوان :
بعد أن هزم (يزدجرد) في المدائن هرب إلى حلوان فبلغه هزيمة جنوده في معركة جلولاء ومقتل قائدهم (مهران رازي) على يد (القعقاع) أدرك عندها أن جيش المسلمين سيصله حتما إلى حلوان فخرج من حلوان وأتجه إلى الري وأستخلف على حلوان بعض جنده وعليهم قائد من قواده يدعى (خسرو شنوم) وتقدم (القعقاع) بمن معه حتى صاروا قرب حلوان فخرج إليهم (خسرو شنوم) بمن معه وعلى مقدمته (الزينبي دهقان) فاقتتلوا قتالا شديدا قتل فيه (الزينبي) وهرب (خسرو شنوم) فدخل (القعقاع) ومن معه حلوان فاتحين منتصرين …
❖ القعقاع بن عمرو واليا على حلوان :
مكث (القعقاع) في حلوان واليا عليها تنفيذا لأمر الخليفة الراشد (عمر بن الخطاب) شهرين من فتح جلولاء في ذي القعدة من سنة 16 هـ حتى خروج (سعد بن أبي وقاص) بالناس من جلولاء إلى الكوفة في محرم سنة 17 هـ .
وبعد اختطاط الكوفة كتب (سعد بن أبي وقاص) إلى (القعقاع) بالقدوم بمن معه من الجند إلى المدائن وأن أستخَلِّفْ عَلَى النَّاسِ بِجَلُولاءَ (قُبَاذَ) وهو من الفرس الذين أسلموا وحسن إسلامهم وأصله من خراسان.
معركة نهاوند 21 هـ :
تعتبر معركة (نهاوند) من المعارك الفاصلة والحاسمة في التاريخ الإسلامي إذ لم يقم لإمبراطورية الفرس بعدها قائمة وقد إجتمع الفرس في (نهاوند) في (مائة وخمسين ألف) مقاتل وعليهم قائدا اسمه (الفيرزان) وبلغ خبرهم (قباذ) وهو الوالي الذي إستعمله (القعقاع) على ثغر حلوان فكتب (قباذ) إلى (سعد) الذي كتب بدوره إلى (عمر) فأستشار (عمر) الناس ووقع إختياره على (النعمان بن مقرن) لقيادة الجيوش الإسلامية في معركة (نهاوند) وسار جيش المسلمين وقد جعل (النعمان) (القعقاع) على المجردة وهم قوة الفرسان ولما وقف الجيشان أمام بعضهم البعض وبدا المسلمون المعركة بالتكبير واقتتلوا لثلاثة أيام ثم أجبر المسلمين الفرس على التحصن في حصونهم فتقدم (القعقاع) مع ثلة من الفرسان نحو حصون الفرس ورماهم بالنبال ثم أظهر أنه يريد اقتحام المدينة فحاول بعض جنود الفرس رده فأظهر (القعقاع) أنه ينسحب لكي يجبر الفرس على اللحاق به متظاهراً بالهزيمة وأستمر بالتراجع شيئاً فشيئاً والفرس ورائه وعلى رأسهم قائدهم (الفيرزان) ثم حمل عليهم المسلمون وأشتد القتال بينهم حتى الليل وأنزل الله سبحانه نصره على عباده المؤمنين وأنهزم الفرس وقتل أكثرهم إلا ثلة قليلة تمكنت من الفرار بصعوبة على رأسهم قائدهم (الفيرزان) ثم إن (الفيرزان) فر إلى (همذان) فتبعه (نعيم بن مقرن) ومعه (القعقاع) فأدركه (القعقاع) وظفر به وقتله وأنتهت معركة (نهاوند) بنصر كبير وحاسم للمسلمين وهزيمة ساحقة للفرس وقد وصف (القعقاع) هذه الأحداث كلها بقصيدةٍ يقول فيها :
هذه الأبيات :
وَيَومَ نَهاوَنَدٍ شَهِدتُ فَلَم أَخِم
وَقَد أَحَسَنَت فيهِ جَميعُ القَبائِلِ
عَشِيَّةَ وَلّى الفَيرُزانُ مُوايِلا
إِلى جَبَلٍ آبٍ حَذارَ القَواصِلِ
فَأَدرَكَهُ مِنّا أَخو الهَيجِ وَالنَدى
فَقَطَّرَهُ عِندَ اِزدِحامِ العَوامِلِ
وَأَشلاؤُهُم في وَأيِ خُردٍ مُقيمَةٌ
تَنوبُهُم عيسُ الذِئابِ العَواسِلِ
ملاحظة البقية بالجزء الثالث ..
الحمد لله رب العالمين
دائما وأبدا
المرجع :
موقع يوكيبيديا .
نسخة PDF
للقراءة والمشاركة : اضغط هنا