سيرة من السلف
الزاهد : عامر بن قيس بن ناشب بن أسامة بن خزيمة بن معاوية العنبري التميمي :
كان أعبد أهل المشرق أخذ عطاءه فتصدق منه بدراهم ثم أتى منزله فوزن الدراهم فوجدها لم تنقص شيئاً وأتاه مرداس بن أدية أبو بلال فسأله الخروج معه وقال : ألا ترى إلى جزع ولاتنا من أن يصيروا للمسلمين سهماً فقال : يا بلال تخشى أن نكون جزعنا .
وذكر عند الحسن فقال : بعض من حضر لو علمنا أن دراهمنا لا تنقص كدراهم عامر لتصدقنا فقال الحسن : إن عامر لم يشترط على ربه كما اشترطت .
• وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن لوط بن يحيى . وحدثني أبو مسعود عن ابن عوانة .
أن عامر بن عبد قيس .
كان ينكر على عثمان (رضي الله عنه) أمره وسيرته فكان حمران بن أبان مولى عثمان يكتب إلى عثمان بخبره فكتب عثمان إلى عبد الله بن عامر بن كريز في حمله إليه فحمله فلما قدم عليه رآه وقد أعظم الناس أشخاصه وإزعاجه عن بلده لعبادته وزهده ألطفه وأكرمه ورده إلى البصرة وقال غير هؤلاء :
إنه أشخصه إلى الشام ورده إلى البصرة .
وقال أبو اليقظان : كتب عثمان إلى ابن عامر أن سيره إلى الشام فسيره فمات بالشام ولا عقب له .
• حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي :
ثنا إسماعيل بن عليه :
انبأ ابن عون عن محمد بن سيرين :
عن معقل بن يسار قال : أول ما عرف بيني وبين عامر بن عبد قيس أني رأيت قوماً عرضوا لرجل من أهل الذمة فكلمهم فيه ثم حول وركه ونزل عن دابته فقال : كذبتم والله لا تظلمون ذمة الله اليوم وأنا شاهد .
قال : وبلغني عن عامر أنه قال : لا آكل اللحم ولا السمن ولا أتزوج النساء ولا أصلي في المسجد ولا يمس بشري بشر أحد وأنا خير من إبراهيم فأتيته فقلت له ذلك فقال : أما اللحم فإني رأيت هؤلاء أحدثوا في الذبائح شيئاً كرهناه فإذا اشتهينا اللحم بعثنا فاشترينا شاة فذبحناها وأكلنا من لحمها وأما السمن فإني آكل ما يجيء من ها هنا وأشار ابن عون إلى البر ولا آكل من ها هنا وأشار إلى الجبل وأما قولهم إني لا أصلي في المساجد فإني أحضر الجمعة ثم اختار أن أصلي ها هنا وأما قولهم أني لا أتزوج النساء فإنما لي نفس واحدة وقد كدت أعجز عنها وأما قولهم إني قلت : إني خير من إبراهيم فإنما قلت إني أرجو أن يجعلني الله مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
• حدثنا أحمد :
ثنا خلف بن الوليد عن عباد بن عباد عن يونس بن عبيد عن الحسن قال :
كان عامر بن عبد قيس إذا صلى الصبح تنحى إلى ناحية من المسجد فجلس فيها ثم قال :
من أقرئه . فيأتيه قويم فيقرئهم حتى إذا طلعت الشمس وأمكنت الصلاة قام فصلى حتى ينتصف النهار ثم يرجع إلى بيته فيقيل ثم يرجع إلى المسجد إذا زالت الشمس فيصلي حتى يصلي الظهر ثم يصلي العصر ثم يجلس مجلسه ذلك في المسجد ويقول : من أقرئه فيأتيه ناس فيقرئهم حتى تغيب الشمس ويؤم لصلاة المغرب فيصليها ثم يصلي العشاء الآخرة ثم يرجع إلى بيته فيتناول رغيفه فيأكله ويشرب عليه شربة ثم يهجع هجعة خفيفة ثم يقوم لصلاته حتى إذا أسحر تناول رغيفه الآخر فأكله ثم شرب عليه من الماء ثم يخرج إلى المسجد
• حدثنا أحمد :
ثنا محمد بن فضيل بن غزوان عن العلاء بن سالم :
عمن صحب عامراً أربعة أشهر فلم يره ينام ليلاً ولا نهاراً .
• حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي :
ثنا وهب بن جرير بن حازم :
ثنا هشام عن الحسن أن عامر بن عبد قيس قال :
وجدت عيش الناس في أربع :
والله لأضرنا بهما . فقال الحسن : فأضر الله بهما حتى مات .
• حدثنا أحمد :
عن وهب عن هشام عن الحسن :
أن عامر بن عبد قيس قال : والله لأجعلن الهم هماً واحداً .
• حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبي هلال قال : ذكرت الدنيا عند الحسن فقال : لو شاء الله جعل الناس مثل عامر.
• حدثنا أحمد بن عبد الصمد عن أبي هلال عن محمد بن سيرين قال : قالوا لعامر :
ألا تزوج فقال : والله مالي مال ولا نشاط فبم أغر مسلمة .
• حدثنا أحمد بن عبد الصمد عن أبي هلال قال : قال حميد بن هلال : قال عامر : الدنيا أربع :
– النوم .
– المال .
– النساء .
– الطعام .
– فأما اثنتين فقد عزفت نفسي عنهما .
– أما المال فلا حاجة لي فيه .
– وأما النساء فو الله ما أبالي امرأة رأيت أم جداراً .
– ولا أجد بداً من هذا الطعام والنوم.
– والله لأضرنابهما جهدي فكان إذا جاء الليل جعله نهاراً قام وإذا كان النهار جعله ليلاً فقام ونام .
• حدثنا أحمد :
ثنا بشر الزهراني عن همام عن قتادة :
أن عامر بن عبد قيس لما احتضر جعل يبكي فقيل له : ما يبكيك قال : ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا ولكني أبكي على ظمأ الهواجر (هاجر – نصف النهار في الحر الشديد) وعلى قيام ليل الشتاء .
حدثنا أحمد :
ثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال : لقي رجل من عامراً فقال : ألا تتزوج وتلا هذه الآية : (وجعلنا لهم أزواجاً وذرية) .
قال فضرب يده وقال : سمعت الله يقول : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .
قالوا : ولما أراد عامر الخروج أتى مطرفاً فسلم عليه ثم مضى ورجع فسلم عليه وقال : ما فعلت هذا إلا حباً لك ثم مضى وعاد فقال : مثل ذلك وكان عامر يقول لنفسه : قومي يا مأوى كل سوءٍ فلردنك ولو بمثل زحف البعير .
• حدثنا أحمد :
ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن جعفر عن الجريري عن أبي العلاء:
أن رجلاً قال لعامر : استغفر لي . فقال : إنك لتسأل رجلاً عجز عن نفسه . ولكن أطع الله ثم ادعه يستجب لك .
• حدثنا أحمد :
ثنا محمد بن عيسى عن عون بن موسى قال:
سمعت أشياخاً يحدثون أن عامر بن عبد الله الذي كان يقال له عامر بن عبد قيس :
كان له مجلس يجلس فيه إليه وفيمن يجلس إليه الحسن وأنه قعد في بيته فخشوا عليه الزيغ فأتوه في بيته فقالوا : يا أبا عبد الله تركت مجلسك الذي كنت تجلس فيه فقال : إن مجلسكم ذاك كثير التخليط والأغاليط أدركنا ناساً من أصحاب محمد (صل الله عليه وسلم) فحدثونا أن أكمل الناس إيماناً أشدهم محاسبة لنفسه في الدنيا وأن أكثر الناس ضحكاً يوم القيامة أكثرهم بكاء في الدنيا وأن أشد الناس فرحاً يوم القيامة أطولهم حزناً في الدنيا .
• حدثنا أحمد بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن فضالة بن حصين عن يزيد بن نعامة الضبي قال :
كتب معاوية إلى عامل البصرة : أما بعد فإذا جاءك كتابي فزوج (عامر بن عبد قيس) من صالح نساء قومه وأصدقها من بيت مال المسلمين فارسل إلى عامر فقرأ عليه الكتاب ولم يدعه حتى زوجه وأدخل عامراً عليها فقام إلى مصلاه ولم يلتفت إليها حتى إذا رأى تباشير الصبح قال : يا هذه ضعي خمارك فلما وضعت خمارها قال : أعيدي ثم قال : هل تدرين لم أمرتك بوضع خمارك لئلا يؤخذ منك شيء أعطيت .
وكان عامر يقول في كل يوم إذا أصبح :
إن الناس غدوا إلى أسواقهم وحاجاتهم وإن حاجتي إليك أن تغفر لي .
• المدائني قال : أتي عامر بن عبد قيس.
بعطائه وهو في المسجد فوضعه بين يديه ثم رجع إلى منزله وقد أنسيه فقال : إني نسيت عطائي فاذهبوا فجيئوا به فقيل : إنك تركته فأخذ فقال : أو يأخذ أحد ما ليس له .
• حدثنا أحمد بن إبراهيم قال : حدثني محمد بن عيسى :
ثنا فضالة بن يزيد بن نعامة قال :
لما سير عامر إلى الشام نزلوا بماء في طريق الشام فإذا الأسد قد حال بينهم وبينه وجاء عامر حتى أصاب حاجته من الماء فقالوا له : خاطرت بنفسك فقال : والله إني لأستحيي أن يعلم الله اني أخاف شيئاً غيره.
وقال يزيد بن نعامة :
كان عامر مع قتيبة في غزاة بخراسان فأصاب عامراً في سهمه جارية لها جمال فأعطي بها ثمناً كبيراً فلم يبعها حتى علمها شيئاً من كتاب الله ثم أعتقها فقال أصحابه : لو شئت أن تشتري بثمنها رقيقاً كثيراً فتعتقهم فقال : أتعلمون (ربي المحاسب) .
• حدثني أحمد عن محمد بن عيسى عن فضالة عن يزيد بن نعامة قال :
قيل لعامر : إنك لترضى بالقليل فقال : أنتم والله أرضى بالقليل مني .
الحمد لله رب العامين
دائما وأبدا
المرجع :
العقد الفريد
المؤلف ابن عبد ربه الأندلسي
نسخة PDF
للقراءة والمشاركة : اضغط هنا