واحد وتسعون عامًا من الحب والشباب
ربيعٌ هذا الوطنُ الذي ينسابُ في التفاصيلِ فيجعلها في الجمالِ لا تضاهى؛ متولدّةً في امتدادٍ يبلغُ في الأنحاءِ مُنتهى العبقرية، فيطبعُ قبلاتهِ على المباني ويضمُ المعاني التي تستحيلُ شِعرًا مُسافرًا وأدبًا مُسطرًا حيثُ تتدلى في النفوسِ غراسُ العطرِ الميمون، ومجد البطولةِ . واحد وتسعون عامًا من الصبوة والطلاقة، ومن الجدّ و اللطافة، وهو العلامةُ التي تنشرُ في أرجائه بدجى الخضرةِ على هيئاتٍ كثيرة تمسُ فينا العشق الحلو إليه بهيئةِ احتفالٍ بالذاتِ التي هي لبنةُ وجودهِ وبنيانهِ، وعمقُ تمكنهِ وازدهاره؛ فإنه الآن بالزهو أشد شبابًا ونضارة، وهو الوطنُ الحلوُ الذي مدّ ظلالهُ على أجسادٍ أشمه طلبت ما عند الله ونالت ذرياتها وما يحلق بها العزّة والمكانة.
يومٌ زخّار بالذاكرةِ الناطقةِ في قلوب السعوديين حيثُ يمدُ الحُب ذراعيهِ لامًا المدى الشاسع، وذرى الصيرورةِ المقصودةِ حضارةً وثقافةً وعِزا… وكيف لا وهو اليومُ الذي تتصلُ البذرةُ الأولى النيرةِ بالمكوّن الإنساني المديد فلكلِ سعوديّ ذاكرةٌ خاصة بهذا النماءِ، والامتداد المُتصل بالأمةِ العربيةِ والإسلامية وثمّ العالم بكل أطيافهِ وتحولاتهِ، إذ السعوديةُ وتينُ الوجودِ الذي نرا ففيها القبلةُ التي يُهفى إليها بأم القرى، وفيها تمّت دعوةُ الرسول الخاتمِ صلى الله عليه وسلم ثم وصلت البقاعَ بعضها ببعضٍ إيمانًا بالله العزيز، وفيها الأسُ العربي الموّزع على الأقطار، وفيها القبائلُ التي دانت أولاً لدعوةِ النبي -عليه السلام- ومن ثمّ حيثُ شهقت الدولةُ للعلياءِ، وصارَ الإنسانُ عربيًا بثقافتهِ وامتدادهِ للدين، وفيها ما لا يعدُ من النعمِ التي أفاء الباري بها فالحمدُ لله أولاً وآخرًا وبكل حين.
هكذا أتت السعادة مرّة أخرى لتغمرَ المكان المُشيد بدماءِ الأجدادِ حين قادهم صاحبُ الجلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله- موحدًا الأماكنَ والعشائرَ التي حلّت في الديارِ فعمرتها ايمانًا وعملاً ، وكل الأشياءِ و التواريخ حيثُ انتظمت في سيرها طالبةً الوحدةَ الأولى حيثُ التقاء الإمامين محمد بن سعود آل مقرن المريدي ومحمد بن عبدالوهاب آل مشرف الوهيبي، الاتفاق الذي أرسى عماد الدولِ ثم مد إليها الطور الأخير بكمٍ ثقافيٍّ هائلٍ، وبتنوعٍ صار على إثره النماء بصورٍ تجتمعُ لتشكل الهُوية السعودية ذاتَ العمقِ المُتجذرِ في الأرضِ يعرفه العالم إذ تلتقي الحضاراتُ إليها، وتتصلُ بوطنها الأول مرسى المّدة العميمةِ للحضارات.
وقد حاز العرشُ السعودي أطيب شعبٍ وأحسن أُمة بالتقاءِ الإرادة على وطنٍ عزيز شاهق، وبانتماءٍ يعودُ بهِ الإنسانُ لجذر الضوءِ العابرِ بلا نظيرٍ ولا شبيه، وقد شّكل لغتهُ من المسيرِ المُطرز بحكاياتِ الاباء المسلسلةِ بكل دمٍ والعائدة لكل جسد، فأصبحت كل نسمةٍ فيهِ وكل بنايةٍ وذرة مكونًا أصيلاً يحضى بالرعايةِ التامةِ فلا فرقَ فيهِ بين إنسانٍ وإنسان. وهكذا هم الملوك الخيرون أثرًا طيبًا على العالمِ ومن فيه، وفي الأسرةِ الملكية آل سعود من ارجاء هذا الوطن آثارٌ وأخبار وصلةُ الدمِ والتاريخ الذي يحفظ بالنفوسِ، ويواصل سعيه عبر الأجيال.
وقد سابقت المُدن في برهةٍ متجاوزةً المُدن ذات القِدم والتاريخ وفي النماء فالحمدُ لله على نعمائهِ في النّاس وفي البنيان وفي الخير المنّوع الذي يسكنُ في الذواتِ والنفوسِ إذ هو بالمعدنِ الأولِ كيانًا، و بالمعدنِ الأولِ حداثةً وتطورًا. فمن هذهِ الصحراءِ العزيزةِ خرجت الثقافةُ عزيزةً تلمُ الأمصار إليها بحبٍ إلى التوحيدِ، ونموًا إلى التجديد، وسَعيًا إلى الاتصالِ بمكوناتِ الوطنِ الذي أصبح اليوم جسدًا للربيعِ وديمًا إذ تمتدُ كل سلالةٍ فيهِ إلى مجدها الخصيص؛ دورها الذي سقى المحاني بعبقِ البناءِ والعملِ والفكرِ وكل ذلك من المنبع الصافي الذي خرجت منهُ أوكلها ذوات بداعة ونصاعة وجمال.
وفي عهد خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الذي عزم فتجمعت بعزمهِ هممُ السعوديين مجاوزةً كل حدّ وعد و أصبح سمو ولي العهد أمثولةً لكلِ شابٍ ومواطن ومُقيم في عزمهِ وجدهِ وفي رؤيتهِ وتطورهِ يستفيض من مدرسةِ الملوك ذات الفرائدِ الخاصة ويزيدُ عليها من معدنِ نفسهِ العلي الأشم، هكذا أصبح الأميرُ دالاً إلى العلياءِ صاعدًا وحُب السعوديين جناحيّ عِزة و مكنة لا تُسامى، وبذلك أصبح الموجود في هذهِ الديار يمتلكُ قدرةً جديدة في رؤيةِ التسارع الذي تنمو بهِ الأفكار والديار فهذهِ الرياض كل يومٍ تزدان وتزداد، وعلى اثرها المُدن الأخرى، وكل ما يملكه هذا الوطنُ من مكوناتٍ و مختزنات هي الأكثر ندرةً شكلاً للشعبِ الصقيل بتقواهِ و ولائهِ إذ هو الأغلى وكما سماهُ صاحب السمو الملكي ولي العهد بشعبٍ يمتلك همة كطويق. الحمدُ للهِ على نعمةِ الوفيرة وطنًا وشعبًا أرومًا، وعلى ولاةِ الأمر أيدهم الله بعزته وتوفيقه ورزق بهم الشعبَ والناس. إنه يوم نحتضنُ به حكايات الأجداد بصبابةٍ لنا؛ فما نحنُ إلا هذا الوطنُ بما فيهِ مما امتاز الله به علينا من حبٍ ونماء وصيرورة وهناء.
* هيثـم بن محمد بن عبدالله البـرغش، محام وكاتب سعودي له مشاركات وكتب أدبية واعتناء في فخذ الوهبة وأعلام بني تميم. من آل برغش بن ريس أهل تمير بسدير من الريايسة الوهبة من بني تميم.
تويتر : @SSU_Haytham