من بلاد العرب الإسلامية الضائعة ؛-
اللتي لا زالت تحاول الحفاظ على هويتها العربية الإسلامية ؛-
جزيرة قوصرة ( Pantelleria ) ( بنت الرياح ) تلفظ إيطاليا ( بانتلاريا ) التي اشتق اسمها الحالي من اللفظ العربي ” بنت الرياح ” أو ” قوصرة ” ، كما أطلق عليها المسلمون قديما .
يتكلم بعض السكان العربية باللهجة التونسية بسبب قربهم من تونس . تقع جزيرة قوصرة ( بانتليريا ) في مضيق صقلية في البحر الابيض المتوسط وتبعد عن دولة تونس العربية 70ك م . يسكنها 40 ألفًا 90 % منهم مسلمون ، وتتميز الجزيرة بالملابس العربية سواء للمسلمين أو غيرهم .
و لا زالت الجزيرة تحتفظ ( حفيد عقبة بن نافع ) ، ثم أصبحت الجزيرة قاعدة للأسطول الذي قام بغزو صقلية بقيادة أسد بن الفرات لتبدأ بصفة فعلية صفحة جديدة للمسلمين في قلب المتوسط . بعد أن دخلها الجيش الإسلامي عام ( 93 هجريا 710 / ميلاديا )، أصبح حكم الجزيرة منذ ذلك الوقت إسلامي ،
فعملوا على نشر الدين الإسلامي و تعليم اللغة العربية لانها لغة الإسلام فأصبحت الجزيرة خلال فترة وجيزة تتكلم العربية . اتخذها القائد الإسلامي أسد بن الفرات رحمه الله عام ( 212 هـجري / 827 ميلادي ) مركز لجيشه لفتح جزيرة صقلية المجاورة لها .
و هذه الجزيرة برغم انها تتبع إيطاليا إلا أنها تتميز بالملبس العربي والعادات و التقاليد الإسلامية اللتي لا زالت محفوظة لليوم . تبلغ مساحتها حوالي 83 كيلومترا مربعا ، وتقع في مضيق صقلية على بعد 70 كيلومترا من شواطئ مدينة قليبية التونسية و حوالي 100 كم من مدينة “ مازارا ديل فايو ” بصقلية ، وموقعها مركزي من الناحية الاستراتيجية .
ماجعلها منطلقا لعديد الغزوات البحرية من جانبي المتوسط . أدرك الأغالبة ما تحمله هذه الجزيرة من أهمية استراتيجية لحماية إفريقية من الغارات البحرية البيزنطية ، فاستحدثوا سياسة استيطانية مبتكرة قامت على جلب مجموعة من المستوطنين المسيحيين العرب من أصيلي جزيرة صقلية بالتدريج ،
واستغلال مهاراتهم في الفلاحة والبستنة لتجربة بعض المزرواعات التي تم جلبها من المشرق كالقوارص وخصوصا القطن الذي ازدهرت صناعاته في ” قوصرة ” الإسلامية ، ليطبع الجزيرة بطابعه الخاص إذ يبقى الأثر العربي التونسي ماثلا في التسميات التي تتعلق بهذه الصناعة مثل ” محلوج ” ، أي القطن المنتوف ،
و” ردانة “، وهي خشبة صغيرة يُدار بها القطن أثناء الغزل ، وقد اندمجت هذه المجموعة الصقلية في ما بعد بفلاحين أتوا من قرى الساحل التونسي ومن الوطن القبلي ليبدأ المجتمع في التجانس وتُبني العوائد الإسلامية ، و من الملاحظ عموما أن ملوك الأغالبة قد أولوا الجزيرة اهتماما خاصا ،
فقد زارها الأمير الأغلبي محمد الثاني ( أبو الغرانيق التميمي ) لعدة أيام متفقدا التجهيزات العسكرية واستعدادات الجيش هناك ، كما تمت إعادة تهيئة مرفأ الجزيرة ليكون همزة وصل مع الممتلكات الإسلامية في جنوب إيطاليا وتشييد محطة لنقل الرسائل العاجلة عن طريق الحمام الزاجل بين صقلية ومدينة الحمامات .
بقيت جملة من الشواهد على حكم السلالات الإسلامية للجزيرة وتشمل بعض النقود الذهبية من الفترتين الأغلبية والفاطمية وعدد من شواهد القبور والنقوش ، من بينها نَقشٌ فيه بيت يُنسب إلى علي بن أبي طالب ، يذكر فيه اسم قوصرة بمعناه الأصلي ، أي السلة الصغيرة ،
يقول فيه :-
حبذا من كانت له قوصرة
يأكل كل يوم منها مرة
وانتشرت في قوصرة المساجد والمدارس والمكتبات الإسلامية وشيد المسلمون هناك حضارة زاهرة مازالت معالمها باقية حتى اليوم ، و كان منصب القاضى المسلم من أبرز الشخصيات المميزة في قوصرة و كان يحرص أهل الجزيرة المسلمون على اختيار القاضى من بين علماء الإسلام في قوصرة .
حيث عثر في قوصرة على مخطوطات إسلامية نادرة تضمنت أبحاثا مهمة في علوم البحار وعلوم الاتصال مكتوبة بالعربية ، كما عثر في بعض المخطوطات الإسلامية على قصيدة شعر تنسب إلى سيدنا على بن ابى طالب .
وحين قضى على الحكم الإسلامي في قوصرة في القرن العاشر الهجرى / السادس عشر الميلادى عقدت الدولة الإسلامية معاهدات مع حكام أوروبا على أن يتولى حكم المسلمين في قوصرة حاكم مسلم من جزيرة صقلية ، ولأن إيطاليا هي من تسيطر على جزيرة صقلية عملت على تفريغ الوجود الإسلامي من قوصرة إلى أن أطلق عليها إسم ( بانتليريا ).
وتبقى إلى الآن الآثار الإسلامية شاهدا حقيقيا ووثيقة حية على الوجود الإسلامي وعطاءات الإسلام الحضارية للقارة الأوروبية ، و توجد الان العديد من المفردات العربية في اللغة الإيطالية التي يتحدث بها أهل جزيرة قوصرة . كما أن تراثهم الشعبي يضم العديد من السير الشعبية المعروفة في التاريخ العربي والإسلامي ،
فعادات سكان قوصرة كانت إلى عهد قريب ولا زالت بعض الشى عادات عربية حيث يحرص الرجال على ارتداء الزي العربي المنتشر في تونس كما كانت النساء من المسلمات وغير المسلمات يرتدين الزى الإسلامي ويتحجبن عند الخروج من منازلهن .
ولقد دَوّن ” جان بوني ” التاجر الفرنسي ، الذي أُسِر في تونس سنة 1080 هجري/ 1670ميلادي / ثم فرّ من سجنه إلى ” بانتلاريا “، وصفا للجزيرة مفاده أن السكان ظلوا يتحدثون باللهجة التونسية أواخر القرن السابع عشر ، حتى أنه استنجد بمترجم من أهل مالطا للتواصل مع السكان المحليين الذين لم يكونوا حينذاك يفهمون حتى اللغة الإيطالية .
ومن المناطق التي بقيت محافظة على أسمائها العربية ” المرسى ” ” المنية ” ” الجبل ” ” الشرفة ” ” الشمالية ” ” الحمة ” ” الكدية ” ” حروشة ” ” الخربة ” ” السلوم ” ” الخنقة ” ” بلاطا ” ” السداري ” ” بو جابر ” “كدية بن سلطان ” .
يذكر المؤرخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب رحمه الله :- أن النساء في الجزيرة كن يرتدين الإزار الأسود المعروف في مدن الساحل التونسي ، كما كن يعمدن إلى تغطية وجوههن عند الخروج من المنزل للذهاب إلى الكنيسة أو لقضاء شؤونهن على طريقة النساء التونسيات قديما ،
وذلك إلى حدود القرن الثالث العشر الهجري ، كما كان السكان يستوردون الأوعية الفخارية والجوابي المصنوعة في جزيرة جربة لخزن إنتاجاتهم الزراعية ، وبقي فن القص التونسي راسخا في أسمار بانتلاريا ومن أهم معالمه نوادر ” جيوفا ” ( جحا ) ، وهي النسخة الإيطالية الصقلية من جحا ،
وكذلك الحال بالنسبة للمأكولات حيث لا يزال الكسكسي بالسمك الطبق الرئيسي المميز للجزيرة وأضحت ” الشكشوكة ” التي حافظت على تسميتها التونسية تزاحم ” الرافيولي الإيطالي ” في مطابخ بنت الرياح ،
إضافة إلى الكعك التونسي الطويل المعروف الذي يطلق عليه سكان الجزيرة اسما عربيا ” المستطولة ” .
ضاعت قوصرة وصقلية وغيرها من بلاد المسلمين ونسينا ألقاب الصقلي والقوصري وغيرهم من الأعلام اللذين ربما سمعنا بهم أو لم نسمع بهم ؟ والله غالب على أمره ولا حول ولا قوة إلا بالله
انتهى .